المرأة و كرامتها في القرآن الكريم
للمرأة كرامتها الإنسانية في القرآن , و قد جعلها الله في مستوى الرجل في الحظوة الإنسانية الرفيعة , حينما كانت في كلّ الأوساط المتحضّرة و الجاهلة مُهانةً وَضيْعَةَ القدر , لا شأن لها في الحياة سوى كونها لُعبة الرجل و بُلغته في الحياة . فجاء الإسلام و أخذ بيدها و صعد بها إلى حيث مستواها الرفيع الموازي لمستوى الرجل في المجال الإنساني الكريم ﴿ ... لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ... ﴾ [1] . ﴿ ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... ﴾ [2] .
القرآن عندما يتحدّث عن الإنسان ـ و ليس في حقيقة الإنسانية ذكورة و لا أنوثة ـ إنّما يتحدّث عن الجنس ذكراً و أنثى على سواء . و عندما يتحدّث عن كرامة الإنسان و تفضيله على كثير ممّن خلق [3] و عن الودائع التي أودعها هذا الانسان [4] و عن نفخ روحه فيه [5] و عندما يبارك نفسه في خلقه لهذا الإنسان [6] إنّما يتحدّث عن الذات الإنسانية الرفيعة المشتركة بين الذكر و الأنثى من غير فرق . هو عندما يقول : ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [7] و عندما يقول : ﴿ ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ... ﴾ [8] و إلى أمثالها من تعابير لا يفرّق بين ذكرٍ و اُنثى : ﴿ ... أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ... ﴾ [9] . لا ميز بينها و لا تفارق فيما يمتاز به الإنسان في أصل وجوده و في سعيه و في البلوغ إلى مراتب كماله . ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [10] .
و قد جاء قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ... ﴾ [11] دليلاً قاطعاً على موازاة الاُنثى مع الذكر في أصالة النوع البشري , و لا تزال هذه الأصالة محتفظاً بها عبر تناسل الأجيال .
نعم , هناك خصائص نفسيّة و عقلية ميّزت أحدهما عن ألآخره في تكوينها الذاتي ممّا أوجب تفارقاً في توزيع الوظائف التي يقوم بها كلٌّ منهما في حقل الحياة , توزيعاً عادلاً يتناسب مع معطيات و مؤهّلات كلّ من الذكر و الأنثى , الأمر الذي يؤكّد شمول العدل في التكليف و الاختيار . و لننظر في هذه الفوارق الناشئة من مقام حكمته تعالى في الخلق و التدبير .
﴿ ... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ... ﴾ [12]
هنا وقفة قصيرة عندما نلحظ أنّ القرآن فضّل الرجل على النساء بدرجة !
فهل في ذلك حطٌّ من قدر المرأة ؟ أو كمال حُظي به الرجل دونها ؟
ليس من هذا أو ذلك في شيء , و إنّما هي مرافقة مع ذات الفطرة التي جُبِل عليها كلٌّ من الرجل والمرأة .
إنّ معطيات الرجل النفسية و الخُلُفية تختلف عن معطيات المرأة , كما تختلف طبيعتها الاُنوثيّة المُرْهَفَة الرقيقة عن طبيعة الرجل الصلبة الشديدة , كما قال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) " المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة " [13] . فنعومة طبعها و ظرافة خُلُقها تجعلها سريعة الانفعال تجاه مصطدمات الأمور , على خلاف الرجل في تريثه و مقاومته عند مقابلة الحوادث .
فالمرأة في حقوقها و مزاياها الإنسانية تعادل الرجل ﴿ ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... ﴾ [14] . هذا في أصل خلقتها لتكون للرجل زوجاً من نفسه أي نظيره في الجنس , فيتكافلان ويتعاونان معاً في الحياة الزوجية على سواء . فلها مثل الذي عليها من الحقّ المشترك , و هذا هو التماثل بالمعروف أي التساوي فيما يعترف به العقل و لا يستنكره .
لكنّ الشرط الذي يتحمّله الرجل في الحياة الزوجية , هو الشرط الأثقل الأشقّ , فضلاً عن القوامة و الحماية التي تثقل عبء الرجل في مزاولة الحياة . الأمر الذي استدعى شيئاً من التمايز في نفس الحقوق الزوجية , ممّا أوجب للرجل امتيازاً بدرجة ﴿ ... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ... ﴾ [15].
و هذا التفاضل في الذات و المعطيات هو الذي جعل من موضع الرجل في الأسرة موضع القوامة . ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... ﴾ [16] .
إنّ الأسرة هي المؤسَّسة الأولى في الحياة الإنسانية , و هي نقطة البدء التي تؤثّر في كلّ مراحل الطريق , و التي تزاول إنشاء و تنشئة العنصر الإنساني , و هو أكرم عناصر هذا الكون في التصوّر الإسلامي . و إذا كانت المؤسّسات ـ التي هي أقلّ شأناً و أرخص سعراً كالمؤسّسات المالية و الصناعية و التجارية و ما إليها ـ لا توكل أمرها عادةً إلاّ للأكفاء من استعدادات طبيعية للإدارة و القوامة , فالأولى أن تُتَّبّع هذه القاعدة في مؤسّسة الأسرة التي تُنشِئ أثمن عناصر الكون , ذلك هو العنصر الإنساني .
و المنهج الربّاني يراعي هذا , و يراعي به الفطرة و الاستعدادات الموهبة لشطري النفس ـ العقلاني و الجسماني ـ لأداء الوظائف المنوطة بهما معاً , كما يراعي به العدالة في توزيع الأعباء على شطري الأسرة الواحدة , و العدالة في اختصاص كلًّ منها بنوع الأعباء المهيّأ لها , المعان عليها من فطرته و استعداداته المتميّزه المتفرّدة .